کد مطلب:239397 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:244

ادعاؤهم الخلافة بالارث، مع حرصهم علی ربط الثورة بأهل البیت
بدعوی : أنهم انما خرجوا للأخذ بثارات العلویین، و لیرفعوا عنهم الظلم الذی حاق بهم ..

ثم تأتی المرحلة الرابعة و الاخیرة، و هی : ادعاؤهم الخلافة بالارث، كما أشرنا الیه.. و لكنهم استمروا یربطون الثورة بأهل البیت علیهم السلام من ناحیتین:

الأولی : ادعاؤهم الخلافة بالارث عن طریق علی بن أبی طالب، و محمد بن الحنفیة، كما سیأتی بیانه .

الثانیة : ادعاؤهم أنهم انما خرجوا للأخذ بثارات العلویین ... فأما ادعاؤهم استحقاقهم الخلافة بالارث، عن طریق علی بن أبی طالب علیه السلام، و احتجاجهم بقرباهم النسبیة من رسول الله (ص)، فاننا نلمحها فی كثیر من مواقفهم، حیث كانوا یستطیلون علی الناس بهذه القربی، و یحتجون بها فی مختلف المناسبات [1] .



[ صفحه 52]



فقد قال داود بن علی، أول خطیب لهم علی منبر الكوفة، فی أول كلام له أمام السفاح : «.. و انما أخرجنا الانفة من ابتزازهم حقنا، و الغضب لبنی عمنا [2] .

و نری السفاح فی خطبته الأولی أیضا فی مسجد الكوفة، بعد أن ذكر عظمة الرب تبارك و تعالی، و فضل النبی (ص) «قد قاد الولایة و الوراثة، حی انتهیا الیه، و وعد الناس خیرا [3] .

و یقال : ان من جملة ما قاله السفاح فی خطبته الأولی : ( .. فأعلمهم جل ثناؤه فضلنا ، و أوجب علیهم حقنا و مودتنا ، و أجزل من الفی ء » . و الغنیمة نصیبنا ، تكرمة لنا و فضلا علینا ..

و زعمت السبائیة الضلال : أن غیرنا أحق بالریاسة و السیاسة ... الی أن قال : ورد علینا حقنا [4] .



[ صفحه 53]



و یقول داود بن علی فی خطبته الأولی فی مسجد الكوفة أیضا : «.. و أحیا شرفنا و عزنا، ورد الینا حقنا و ارثنا ..» [5] .



[ صفحه 58]



و عندما ذهب داود بن علی الی مكة، والیا علیها، من قبل أخیه السفاح، و أراد أن یخطب فی مكة خطبته الأولی، طلب منه سدیف بن میمون أن یأذن له فی الكلام، ؛ فأذن له؛ فوقف ؛ و قال من جملة ما قال :

«... أتزعم الضلال : أن غیر آل الرسول أولی بتراثه ؟! و لم؟! و بم ؟! معاشر الناس ؟! ألهم الفضل بالصحابة، دون ذوی القرابة ؟ الشركاء فی النسب، و الورثة للسلب ..» [6] .

و یقول داود بن علی فی نفس المناسبة، أعنی فی أول خطبة له : «لم یقم فیكم امام بعد رسول الله (ص)، الا علی بن أبی طالب، و هذا القائم فیكم..» و أشار الی السفاح [7] .



[ صفحه 59]



و قال المنصور فی خطبة له : «و أكرمنا من خلافته، میراثنا من نبیه ...» [8] .

و لكنهم بعد المنصور - بل و حتی من زمن المنصور نفسه كما سیتضح - قد غیروا سلسلة الارث هذه، و جعلوها عن طریق العباس، و ولده عبدالله، و لكنهم أجازوا بیعة علی ؛ لأن العباس نفسه كان قد أجازها .. كما سیأتی بیانه .. فكانت استدلالات الخلفاء ابتداء من المنصور ناظرة الی الارث عن هذا الطریق ..

فنری المنصور یبین فی رسالة منه لمحمد بن عبدالله بن الحسن : أن الخلافة قد ورثها العباس فی جملة ما ورثه من النبی (ص)، و أنها فی ولده [9] .

و كان الرشید یقول : «ورثنا رسول الله، و بقیت فینا خلافة الله [10] .

و قال الأمین عند ما بویع له، بعد موت أبیه الرشید : «.. و أفضت خلافة الله ، و میراث نبیه الی أمیرالمؤمنین الرشید [11] .

و مدح البعض المأمون، و عرض بأخیه الذی غدر به، فقال فی جملة أبیات له :

أن تغدروا جهلا بوارث أحمد و وصی كل مسدد و موفق [12] .



[ صفحه 60]



الی غیر ذلك مما لا مجال لنا لتتبعه .. و لنعد الی ما كنا فیه أولا، فنقول:


[1] حيث قد ظلوا بحاجة لأن يصلوا حقهم الذي كانوا يدعونه .. بحق علي بن أبي طالب عليه السلام، و وصايتهم بالوصاية التي له، و التي لا يجهلها أحد، و ليصححوا بهذه الوسيلة خلافتهم، و يتقبلها الناس .. فكانت السلسلة التي سيأتي بيانها هي معتمدهم، مضيفين اليها تبرأهم من أبي بكر و عمر و عثمان .. و في الحقيقة أن تلك هي عقيدة الكيسانية انتحلوها لأنفسهم بوحي من مصالحهم الخاصة .. حتي اذ ما وصلوا الي الحكم نراهم قد قطعوا حبل صلتهم بعلي، و ولده، و جعلوا الخلافة حقا للعباس و ولده .. ثم تخلوا عن ذلك كله فيما بعد ، و رجعوا الي العقيدة التي أسسها معاوية، و لكنهم اختلفوا عنه بأنهم أدخلوا عليا، و جعلوه في المرتبة الرابعة، و كان ذلك بداية وجود أهل السنة بخصائصهم، و مميزاتهم المذهبية، و لهذا البحث مجال آخر، و الله هو الموفق و المستعان.

[2] الطبري، طبع ليدن ج 10 ص 31، و البداية و النهاية ج 10 ص 41، و شرح النهج للمعتزلي ج 7 ص 154، و الكامل لابن الأثير ج 4 ص 325.

[3] تاريخ ابن خلدون ج 3 ص 129 ، و مروج الذهب ج 3 ص 256 ، و الطبري ج 10 ص 37 ، طبع ليدن.

[4] الطبري ج 10 ص 40 ،39، و تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 257، و البداية و النهاية ج 10 ص 41، و الكامل لابن الأثير ج 4 ص 325 ،324.. لكن الظاهر أن لعن السبائية ( و هم الشيعة الامامية حسب مصطلحهم) مفتعل علي لسان السفاح ؛ لأن كلمة داود بن علي المتقدمة تدل علي انكار العباسيين - في بدء أمرهم - خلافة أبي بكر، و عمر، و عثمان، و تمسكهم بخلافة علي عليه السلام، حيث يصلون حبل وصايتهم بها .. و ان كانوا قد رجعوا عن هذه العقيدة بعد ذلك حسبما أشرنا اليه الي العقيدة التي كان قد روجها معاوية .. و لكن من المؤكد أنهم استمروا علي عقيدتهم تلك ، أعني انكار خلافة الثلاثة، و وصلهم حبل وصايتهم بعلي عليه السلام، الي زمن المنصور، الذي كان أول من أوقع الفتنة بين العباسيين و العلويين كما سيأتي.

[5] الطبري ج 10 ص 32، طبع ليدن، و الكامل لابن الأثير ج 4 ص 325.

أمر هام لابد من التنبيه عليه :

اننا اذا تتبعنا الأحداث التاريخية، نجد : أن كل مطالب بالخلافة كان يدعي أول ما يدعي الرحمية و القربي من رسول الله (ص) . و أول من بدأ ذلك أبوبكر في يوم السقيفة و تبعه علي ذلك عمر ؛ حيث قررا أن ليس لأحد الحق في أن ينازعهم سلطان محمد ؛ اذ أنهم أمس برسول الله رحما (علي ما في نهاية الارب ج 8 ص 168، و عيون أخبار ابن قتيبة ج 2 ص 233، و العقد الفريد ج 4 ص 258، طبع دارالكتاب العربي، و الأدب في ظل التشيع ص 24، نقلا عن البيان و التبيين للجاحظ) ؛ و لأنهم هم أولياؤه و عشيرته، علي ما ذكره الطبري ج 3 ص 220، طبع دار المعارف بمصر، و الامامة و السياسة ص 15 ،14 طبع الحلبي بمصر، و شرح النهج للمعتزلي ج 6 ص 11 9 ،8 ،7 و الامام الحسين للعلايلي ص 186، و ص 190، و غيرهم . او لأنهم عترة النبي (ص) و أصله و البيضة التي تفقأت عنه كما في العثمانية للجاحظ ص 200 . فأسقطا بذلك دعوي الأنصار عن الاعتبار .

كما أن أبابكر قد استدل علي الأنصار بالحديث الذي صرح باستفاضته جهابذة أهل السنة (علي ما في ينابيع المودة للحنفي)، و هو قوله (ص) مشيرا الي خلفائه الاثني عشر : «يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الامة، كلهم من قريش ». - استدل به - بعد أن تصرف فيه، بأن حذف صدره، و اكتفي بذكر : أن الأئمة من قريش علي ما في صواعق ابن حجر ص 6، و غيره ..

و أصبح كون الأئمة من قريش تقليدا متبعا، بل و من عقائد أهل السنة المعترف بها، و قد استدل ابن خلدون علي ذلك بالاجماع .

و لكن قول عمر : لو كان سالم مولي حذيقة حيا لوليته، قد أوقع ابن خلدون، كما أوقع غيره من جهابذة أهل السنة في حيص بيص ؛ لعدم كون سالم قرشيا، فضلا عن أن يكون أمس رحما برسول الله من غيره، فراجع مقدمة ابن خلدون ص 194، و غيره من كتبهم ..

أما ابن كثير فانه قد استشكل بالأمر من ناحية اخري ؛ حيث قال - و هو يتحدث عن فتنة محمد بن الأشعث الكندي - : «... و العجب كل العجب من هؤلاء الذين بايعوه بالامارة، و ليس هو من قريش، و انما هو كندي من اليمن ؛ و قد اجتمع الصحابة يوم السقيفة علي أن الامارة لا تكون الا في قريش، و احتج عليهم الصديق بالحديث في ذلك، حتي أن الانصار سألوا أن يكون منهم أمير مع أمير المهاجرين، فأبي الصديق عليهم ذلك .. ثم مع هذه كله ضرب سعد بن عبادة، الذي دعا الي ذلك أولا، ثم رجع عنه » .. انتهي .. راجع البداية و النهاية ج 9 ص 54.

فتراه يستشكل في عمل من بايعوا محمد بن الاشعث بامرة المؤمنين، التي رآها مخالفة للاجماع المدعي يوم السقيفة .. و تراه يعترف بمخالفة سعد ثم يدعي أنه رجع عن ذلك... و لست أدري كيف رجع عنه، مع أنه من المتسالم عليه تاريخيا : أنه استمر علي الخلاف معهم، حتي اغتيل بالشام - اغتالته السياسة، علي حد تعبير طه حسين في كتابه : من تاريخ الأدب العربي ج 1 ص 146، و غيره .. و ذلك أشهر من أن يحتاج الي بيان.

و علي كل حال .. فان ما يهمنا هو الاشارة الي أن كون الأئمة من قريش ليس فقط أصبح تقليدا متبعا، بل قد أصبح من عقائد أهل السنة المعترف بها ..

و لكن ما تأتي به السياسة، تذهب به السياسة ؛ اذ بعد تسعماية سنة جاء السلطان سليم، و خلع الخليفة العباسي، و تسمي هو ب : «أميرالمؤمنين»، مع أنه لم يكن من قريش . و بهذا يكون قد الغي هذا التقليد عملا من عقائد طائفة من المسلمين، و أبطله ...

و مهما يكن من أمر فان أول من ادعي استحقاق الخلافة بالقربي النسبية من رسول الله (ص) كان أبوبكر ، ثم عمر ، و جاء بعدهما بنوأمية ؛ فعرفوا أنفسهم بأنهم ذوي قربي النبي (ص) حتي لقد حلف عشرة من قواد أهل الشام، و أصحاب النعم و الرياسة فيها - حلفوا - للسفاح : علي أنهم لم يكونوا يعرفون الي أن قتل مروان ، أقرباء للنبي (ص) ، و لا أهل بيت يرثونه غير بني امية .. فراجع النزاع و التخاصم للمقريزي ص 28، و شرح النهج للمعتزلي ج 159/7، و مروج الذهب ج 3 ص 33 و فتوح ابن أعثم ج 8 ص 95

بل لقد ذكر المسعودي و المقريزي : أن ابراهيم بن المهاجر البجلي، الموالي للعباسيين قد نظم قضية هؤلاء الامراء شعرا، فقال :



أيها الناس اسمعوا أخبركم

عجبا زاد علي كل العجب



عجبا من عبد شمس انهم

فتحوا للناس أبواب الكذب



ورثوا أحمد فيما زعموا

دون عباس بن عبدالمطلب



كذبوا و الله ما نعلمه

يحرز الميراث الا من قرب



و يقول الكميت عن دعوي بني امية هذه :



و قالوا : ورثناها أبانا و امنا

و لا ورثتهم ذاك ام و لا أب



و في العقد الفريد ج 120/2 طبع دار الكتاب العربي : أن أروي بنت الحارث بن عبدالمطلب قالت لمعاوية : «.. و نبينا (ص) هو المنصور ؛ فوليتم علينا من بعده، تحتجون بقرابتكم من رسول الله (ص)، و نحن أقرب اليه منكم، و أولي بهذا الأمر الخ ..».

ثم جاء العباسيون، و ادعوا نفس هذه الدعوي، كما هو واضح من النصوص التي ذكرناها، و نذكرها .. بل لقد ادعي نفس هذه الدعوي أيضا أكثر ان لم يكن كل من خرج مطالبا بالخلافة، سواء كان خروجه علي الامويين أو علي العباسيين ..

و هذا يعني أن العامل النسبي قد لعب دورا هاما في الخلافة الاسلامية، و كان الناس بسبب جهلهم، و عدم وعيهم لمضامين الاسلام يصدقون و يسلمون بأن القربي النسبية تكفي وحدها في أن تجعل لمدعيها الحق في منصب الخلافة . و لعل أكثر ما ورد في القرآن الكريم، و السنة النبوية الشريفة من الوصايا بأهل البيت علهم السلام، و الأمر بمودتهم، و محبتهم، و التمسك بهم جعل الناس يظنون أن سبب ذلك هو مجرد قرباهم النسبية منه (ص) .. و كان أن استغل الطامحون فهم الناس الخاطي ء هذا .. بل لقد حاولوا ما أمكنهم تكريسه، و تثبيته ..

الا أن حقيقة الأمر هي غير ذلك ؛ فان منصب الخلافة في الاسلام، لا يدور مدار القربي النسبية منه. بل هو يدور مدار الأهلية و الجدارة، و الاستعداد الذاتي لقيادة الامة قيادة صالحة، كما كان النبي (ص) يقودها، يدلك علي ذلك أننا لو رجعنا الي النصوص القرآنية، و الي ما ورد عن النبي (ص) بشأن الخليفة بعده، فلعنا لا نعثر علي نص واحد منها يفهم منه أن استحقاق الخلافة يدور مدار القربي النسبية منه (ص)، و حسب .

و كل ما ورد في القرآن، و عنه (ص) من الأمر بموالاة أهل بيته، و حبهم، و التمسك بهم، و من تعيينه خلفاءه منهم، فليس لأجل قرباهم النسبية منه (ص) . بل لأن الأهلية، و الجدارة الحقيقية لهذا المنصب قد انحصرت في الخارج فيهم . فهو علي حد تعبير الاصوليين : من باب الاشارة الي الموضوع الخارجي ... و ليس تصريحه (ص) بالقربي لأجل بيان الميزان و المقياس و الملاك في استحقاقهم الخلافة .

و واضح أنه كان لابد من الالتجاء الي الله و رسوله لتعيين الشخص الذي له الجدارة و الأهلية لقيادة الامة ؛ لأن الناس قاصرون عن ادراك حقائق الامور، و نفسيات، و غرائز، و ملكات بعضهم البعض ... ادراكا دقيقا و حقيقيا، و عن ادراك عدم طرو تغير أو تبدل عليه في المستقبل .. و لقد عينه (ص) بالفعل ، و دل عليه بمختلف الدلالات، بالقول : تصريحا و تلويحا، و كناية، و نصا، و وصفا، و غير ذلك .. و بالفعل أيضا، حيث أمره علي المدينة، و علي كل غزوة لا يكون هو (ص) فيها، و لم يؤمر عليه أحدا، و غير ذلك ..

هذا هو رأي الشيعة، و هذا هو رأي أئمتهم في هذا الأمر، و كلماتهم طافحة و مشحونة ما يدل علي ذلك . و لا يبقي معه مجال لأي ليس أو توهم ؛ فراجع كلام الامام علي في شرح النهج للمتعزلي ج 6 ص 12، و غيره مما قد يتعسر استقصاؤه..

و مما ذكرنا نستطيع أن نعرف أن ما ورد عن الامام علي عليه السلام، أو عن غيره من الأئمة الطاهرين، من قولهم : أنهم هم الذين عندهم ميراث رسول الله (ص) ؛ فانما يقصدون به الميراث الخاص، الذي يختص الله به من يشاء من عباده، أعني : ميراث العلم ؛ علي حد قوله تعالي : «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ...» و قد اعترف أبوبكر نفسه لفاطمة الزهراء بأن الأنبياء يورثون العلم لأشخاص معينين من بعدهم . و علي كل فلقد أنكر علي عليه السلام مبدأ استحقاق الخلافة بالقرابة و الصحابة أشد الانكار، فقد جاء في نهج البلاغه قوله عليه السلام : «واعجبا !! أتكون الخلافة بالصحابة و القرابة ؟!! ». هكذا في نهج البلاغه، شرح محمد عبده، و لكن الظاهر هو أنها محرفة، و أن الصحيح هو ما في نسخة ابن ابي الحديد، و هي هكذا : «واعجبا!! أن تكون الخلافة بالصحابة، و لا تكون بالصحابة و القرابة !!».

و أما ما يظهر منه أنهم يستدلون لاستحقاقهم الخلافة بالقربي من رسول الله (ص) ، فانما اقتضاه الحجاج مع الخصوم ؛ فهو من باب : «الزموهم بما الزموا به أنفسهم» . و يدل علي هذا المعني و يوضحه ما قاله الامام علي عليه السلام لأبي بكر ، عندما جيي ء به ليبايع ؛ فكان مما قاله : «... و احتججتم به علي الأنصار، نحن أولي الخ» .. راجع : الامامة و السياسة ج 1 ص 18.

و يشير أيضا عليه السلام - الي هذا المعني في بعض خطبه الموجودة في نهج البلاغة فمن أراد فليراجعه .. كما و يشير اليه أيضا ما نسب اليه عليه السلام من الشعر (علي ما في نهج البلاغه) و هو قوله :



فان كنت بالشوري ملكت امورهم

فكيف بهذا و المشيرون غيب



و ان كنت بالقربي حججت خصيمهم

فغيرك أولي بالنبي و أقرب



و لكن أحمد أمين المصري في كتابه : ضحي الاسلام ج 3 ص 261، و ص 300، و ص 222 ، و ص 235 . و كذلك سعد محمد حسن في كتابه : المهدية في الاسلام ص 5 و الخضري في محاضراته ج 1 ص 166 : ان هؤلاء ينسبون الي الشيعة القول : بأن منصب الخلافة يدور مدار القربي النسبية منه (ص) و حسب .. رغم اعتراف أحمد أمين في نفس الكتاب ، و بالتحديد في ص 212 ، 208 : بأن الشيعة يحتجون بالنص في خصوص الخليفة بعد الرسول .. بل و الخضري يعترف بذلك أيضا حيث قال : « أما الانتخاب عند أهل التنصيص علي البيت العلوي ، فانه كان منظورا فيه الي الوراثة الخ » ...

و هي نسبة غريبة حقا - بعد هذا الاعتراف الصريح منهم ، و من غيرهم - فان عقيدة الشيعة - تبعا لأئمتهم هي ما ذكرنا ، أي ليس منصب الخلافة دائرا مدار القربي النسبية منه (ص) ، و أدلة الشيعة تنطق و تصرح بأن القربي النسبية وحدها لا توجب بأي حال من الأحوال استحقاق الخلافة ، و انما لابد من النص المعين لذلك الشخص الذي يمتلك الجدارة و الأهلية و الاستعداد الذاتي لها..

انهم يستدلون علي خلافة علي عليه السلام بالنصوص القرآنية، و النبوية المتواترة عند جميع الفرق الاسلامية، و لا يستدلون بالقربي الا من باب : ألزموهم .. أو من باب تكثير الأدلة، أو في مقابل استدلال أبي بكر و عمر بها ، و اذا ما شذ واحد منهم، و استدل بذلك، معتقدا بخلاف ما قلناه عن قصور نظر ، و قلة معرفة، أو لفهمه - خطأ - ما ورد عنهم عليهم السلام، من أن عندهم ميراث رسول الله (ص) ؛ فلا يجب، بل لا يجوز أن يحسب علي الشيعة، و من ثم القول بأن ذلك هو قولهم، و أن تلك هي عقيدتهم ..

و لعل أحمد أمين لم يراجع أدلة الشيعة !!

أو أنه راجعها، و اشتبه عليه الأمر !!

أو أنه .. لا هذا .. و لا ذاك .. و انما أراد التشنيع عليهم ؛ فنسب اليهم ما ليس من مذهبهم !

و يدلنا علي صحة هذا الاحتمال الأخير، اعترافه المشار اليه، بأن الشيعة يستدلون علي امامة علي عليه السلام بالنص، لا بالقربي !! ..

و خلاصة القول هنا : ان القربي النسبية ليست هي الملاك في استحقاق الخلافة . و لم تكن دعوي أنها كذلك، لا من الأئمة، و لا من شيعتهم . و انما كانت من قبل أبي بكر، و عمر، ثم الامويين، فالعباسيين.

و اذا كان أهل السنة - تبعا لأئمتهم - قد جعلوا كون الامامة في قريش من عقائدهم . و اذا كان غير أهل البيت هم الذين ادعوا هذه الدعوي، و هللوا و كبروا لها .. فمن الحق لنا اذن أن نقول :

«رمتي بدائها و انسلت».

و أخيرا ... فلقد كان من أبسط نتائج هذه العقيدة لدي أهل السنة، و قبولهم أن القربي النسبية تجعل لمدعيها الحق في الخلافة .. أن سنحت الفرصة لأن يصل أشخاص الي الحكم من أبرز مميزاتهم، و خصائصهم جهلهم بتعاليم الدين، و انسياقهم وراء شهواتهم، أينما كانت، و حيثما وجدت، جاعلين الحكم و السلطان وسيلة اليها، مسدلين علي حماقاتهم هنا، و تفاهاتهم هناك ستارا من القربي النسبية منه (ص) .. و هو من هؤلاء و أمثالهم بري ء ..

و لما لم يعد ذلك الستار يقوي علي المنع من استكناه واقعهم، و حقيقة نواياهم و تصرفاتهم، كان لابد لهم من الالتجاء الي أساليب اخري، تبرر لهم واقعهم، و تحمي تصرفاتهم، و تؤمن لهم الاستمرار في الحكم، و لعل بيعة المأمون للامام الرضا عليه السلام بولاية العهد هي من تلك الأساليب، كما سيتضح ان شاء الله تعالي.

[6] تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 89، و العقد الفريد، طبع دار الكتاب ج 4 ص 485.

[7] مروج الذهب ج 3 ص 237 و 256، و الطبري ج 10 ص 33 و 37، و عيون الأخبار لابن قتيبة ج 2 ص 252، و تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 88 ،87، و الكامل لابن الأثير ج 4 ص 326 ، و تاريخ ابن خلدون ج 3 ص 129 و 173 ، و أمبراطورية العرب ص 422، و البداية و النهاية ج 10 ص 42، و شرح النهج للمعتزلي ج 7 ص 155، و فيه : «انه لم يخطب علي منبركم هذا خليفة حق الخ» ... و برواية اخري فيه : «اقسم بالله قسما برا، ما قام هذا المقام أحد بعد رسول الله صلي الله عليه و آله ، أحق به من علي بن أبي طالب، و أميرالمؤمنين هذا».

[8] مروج الذهب ج 3 ص 301، و الطبري ج 10 ص 432.

[9] الطبري ج 10 ص 215، و العقد الفريد طبع دار الكتاب ج 5 ص 81، الي 85، و صبح الأعشي ج 1 ص 333، فما بعد، و الكامل للمبرد، و طبيعة الدعوة العباسية.

[10] البداية و النهاية ج 10 ص 217.

[11] تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 163.

[12] مروج الذهب ج 3 ص 399.